أثار خطاب نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، الأخير في مؤتمر ميونيخ للأمن، مخاوف بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من احتمال تخلي الولايات المتحدة عن أوروبا، ومع ذلك فإن الأوروبيين ليسوا وحدهم في مخاوفهم من التخلي، فالكثيرون في كوريا الجنوبية يشتركون في هذا القلق، ويرجع ذلك جزئياً إلى تركيز إدارة الرئيس، دونالد ترامب، الأولى على التفاوض مع كوريا الشمالية، والحد من الوجود العسكري الأميركي في شبه الجزيرة الكورية.
ونتيجة لذلك، اتجهت النخبة والرأي العام في كوريا الجنوبية، بشكل متزايد نحو تطوير الأسلحة النووية، في وقت قد تؤدي فيه التطورات في أوروبا إلى تسريع ذلك.
وفي الماضي، حاولت كوريا الجنوبية، للمرة الأولى التسلح النووي الذاتي، رداً على مخاوف التخلي التي أثارها الرئيس الأميركي السابق، ريتشارد نيكسون.
وفي يوليو 1969، أعلن نيكسون عن «مبدأ غوام»، الذي ينص على أن الولايات المتحدة لن تتدخل في حالة وقوع هجوم كوري شمالي على الجنوب، ما لم يتم استخدام الأسلحة النووية. وبعد ثمانية أشهر، في مارس 1971، سحب نيكسون 20 ألف جندي أميركي من أصل 63 ألف جندي متمركزين على الأراضي الكورية الجنوبية، وقد حفز هذا الانسحاب، الرئيس بارك تشونغ، على متابعة استراتيجية دفاعية وطنية مستقلة، تركز على تطوير الأسلحة النووية لردع أي هجوم من جانب «الجارة الشمالية». لكن في يوليو 1974، أصبحت الولايات المتحدة على علم بخطة كوريا الجنوبية لتطوير الأسلحة النووية، وضغطت على سيؤول لإنهاء البرنامج.
وصادقت كوريا الجنوبية على معاهدة منع الانتشار النووي في مارس 1975 لإرضاء الولايات المتحدة، في حين عملت على تسريع عملية الاستحواذ على مفاعل يعمل بالماء الثقيل من كندا، ومحطة إعادة معالجة من فرنسا لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة.
وفي نهاية المطاف، توصلت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى اتفاق لإنهاء العقد مع فرنسا في يناير 1976، ثم أوقفت كوريا الجنوبية خطتها لتطوير الأسلحة النووية، لكنها حولت تركيزها إلى استكمال دورة الوقود النووي، من خلال تبني مفهوم «سياسة الخيار ما قبل النووي».
دعم متزعزع
وعلى نحو مماثل، قد تنطلق محاولة كوريا الجنوبية التالية للتحول النووي مرة أخرى، بسبب الضغوط الهائلة التي يمارسها ترامب عليها، فيما يتعلق بتقاسم تكاليف وجود القوات الأميركية في البلاد.
وأشار الخبير الاستراتيجي الأميركي، هال براندز، إلى أن «الانسحاب المحتمل للقوات الأميركية هو الشاغل الأكثر خطورة بالنسبة لكوريا الجنوبية، وقد يؤدي إلى تشجيع سيؤول على أن تصبح نووية بشكل مستقل، ما يؤدي إلى تدمير نظام منع الانتشار العالمي بشدة».
وعلاوة على ذلك، يشعر العديد من الكوريين الجنوبيين بقلق بالغ بشأن «الصفقة الكبرى»، وهي إمكانية إبرام صفقة نزع السلاح النووي بين ترامب، والرئيس كيم جونغ أون، والتي قد تعترف بكوريا الشمالية كدولة نووية، بحكم الأمر الواقع. وفي غضون ذلك، يخشى العديد من الكوريين الجنوبيين أن يلغي ترامب، إعلان واشنطن، وهو جهد من عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن لتأكيد الردع النووي الموسّع للولايات المتحدة، والتخلص من المجموعة الاستشارية النووية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وإرشاداتها.
ومع ذلك، يرى أنصار التسلح النووي الذاتي في كوريا الجنوبية، أن عودة ترامب بمثابة «بصيص أمل» لتأمين «العتبة النووية»، وهي امتلاك التكنولوجيا اللازمة لصنع أسلحة نووية. ويزعم هؤلاء أن كوريا الجنوبية يمكن أن تضمن «العتبة النووية»، من خلال مراجعة اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية كحل وسط لزيادة المدفوعات للقوات البرية الأميركية في كوريا الجنوبية.
ويعتقد أنصار التسلح الذاتي أيضاً، أن تطوير قدرات التخصيب وإعادة المعالجة في كوريا الجنوبية المحدودة الآن، بموجب اتفاقية إطارية للتعاون النووي المدني الثنائي، سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود النووي الروسي، وبالتالي تعزيز أمن الطاقة للولايات المتحدة وحلفائها، من خلال إضافة كوريا الجنوبية كمصدر للوقود النووي.
خطة ذاتية
وحالياً، تمتلك روسيا والصين 44% و15% من قدرة اليورانيوم المخصب في العالم، على التوالي. ويظهر التاريخ أن كوريا الجنوبية صاغت خطة نووية ذاتية في الماضي، لكنها تخلت عنها تحت ضغط الولايات المتحدة.
لكن هل سترد إدارة ترامب بمستوى الضغط نفسه الذي مارسته الولايات المتحدة في عامَي 1974 و1975، إذا سعت كوريا الجنوبية إلى الحصول على الاستقلال النووي مقابل زيادة دعم الدولة المضيفة للقوات الأميركية؟ أو هل ستشجع إدارة ترامب، كوريا الجنوبية بدلاً من ذلك على تأمين «العتبة النووية» إن لم تكن الأسلحة النووية؟ فالمشهد الأمني العالمي يواجه لحظة شديدة التقلب مع عودة ترامب، وتتضخم المخاوف من التخلي السياسي بين حلفاء الولايات المتحدة، ما يدفع البعض إلى النظر في التسلح النووي بجدية أكبر.
وتنظر سيؤول بشكل متزايد إلى هذه اللحظة كفرصة لتأمين «العتبة النووية»، على بعد خطوة واحدة من التسلح النووي الذاتي. وبمجرد أن تكمل كوريا الجنوبية دورة الوقود النووي، من خلال تأمين حقوق التخصيب وإعادة المعالجة من الولايات المتحدة، يمكن لسيؤول، من الناحية النظرية، نقل الحزمة الكاملة من التقنيات النووية إلى الدول الناشئة في الجنوب العالمي، ما يوسع المسارات إلى عالم نووي متعدد الأقطاب. والآن هو الوقت الحاسم لمنع السقوط المحتمل لـ«الدومينو النووي» الجديد في سيؤول. عن «ناشيونال إنترست»
قلق من تأثير «الدومينو النووي» في شمال شرق آسيا
خلاف بين إدارة ترامب وسيؤول بشأن تكاليف القوات الأميركية. رويترز
تناول تقرير خاص، أعده البروفيسور تشونغ إن مون، تحليل احتمالات سعي كوريا الجنوبية واليابان إلى الحصول على قدرات نووية مستقلة، في ضوء التهديدات النووية والصاروخية المتزايدة التي تشكلها كوريا الشمالية، فهناك مخاوف مستمرة من أن تؤدي القضية النووية «غير المحلولة» في كوريا الشمالية، إلى «دومينو نووي» في شمال شرق آسيا، ما يدفع اليابان وكوريا الجنوبية إلى التحول للأسلحة النووية. وتتمتع طوكيو وسيؤول، بقدرة هائلة على تحويل برامجهما النووية المدنية إلى أسلحة نووية، فهما تمتلكان المواد الانشطارية التي يمكن تعزيزها إلى درجة الأسلحة والقدرات التكنولوجية للقيام بذلك.
ويوصي مون بأنه لمنع الصراع النووي وتحسين البيئة الأمنية الشاملة في شمال شرق آسيا، فإنه من المهم معالجة المشكلة النووية في كوريا الشمالية سلمياً، وإبطاء سباق التسلح الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، وتحسين العلاقات الثنائية بين كوريا الجنوبية واليابان.
وشكلت التطورات في كوريا الشمالية، المناقشات السياسية والعامة حول الأسلحة النووية في الجارة الجنوبية واليابان.
ولدى المعسكر المؤيد للأسلحة النووية في كل بلد، الحجج المختلفة، ويشير مون إلى الحاجة الملحة لابتعاد المسؤولين عن فكرة امتلاك السلاح النووي، من خلال زيادة تثقيف المجتمع المدني وتعبئته.
ويخلص إلى أن التهديدات النووية والصاروخية التي تشكلها كوريا الشمالية زادت إلى حد كبير من احتمالات حدوث تأثير «الدومينو النووي» في شمال شرق آسيا، من خلال زيادة الإغراءات لاكتساب وتطوير القدرات النووية في كوريا الجنوبية واليابان، لأسباب دفاعية وأمنية، ومع ذلك فإن تأثير «الدومينو النووي» هذا موجود كاحتمال، لكن ليس كواقع ملموس.
. محاولة كوريا الجنوبية التالية للتحول النووي قد تنطلق مرة أخرى، بسبب الضغوط الهائلة التي يمارسها ترامب عليها في ما يتعلق بتقاسم تكاليف وجود القوات الأميركية في البلاد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news