أفضت هذه الأوضاع الجديدة “البائسة” للجماعة الدينية الأكبر والأطول عمراً حول العالم، إلى تغيرات جوهرية في أدائها وأساليب عملها، في النظر إلى أساليب العمل السياسي والجماهيري للجماعة منذ تأسيسها وحتى ما قبل العقد الأخير، ما بعد إطاحة الشعب المصري بحكمها القصير المظلم لبلده بثورته العظيمة في 30 يونيو 2013، يوضح أن الإعلام بمختلف صوره المتعاقبة والمتطورة مع التقدم الزمني، قد مثل واحداً من اهتمامات الجماعة وإحدى وسائلها في الدعاية، والانتشار الجماهيري، والتحريض، والتعبئة.
ووفقا لكتاب “الإخوان.. إعلام ما بعد السقوط” للدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، أنه تعددت وسائل الإعلام التابعة للجماعة منذ عام 1933 بمجلات وصحف يومية وأسبوعية وشهرية، أبرزها مجلة “النذير” الأسبوعية وجريدة “الإخوان المسلمون اليومية ومجلة “الدعوة”، وغيرها في عصر الإعلام التقليدي القائم على الصحافة المطبوعة، ومع ظهور وانتشار الإنترنت والصحافة الإلكترونية في نهايات الألفية الثانية وبدايات الألفية الجديدة، أولت الجماعة مبكراً اهتماماً ملحوظاً بها وأسست منابرها المتعددة على الشبكة العنكبوتية.
ومع كل هذا الاهتمام بالإعلام وحضور الجماعة فيه طوال تلك السنوات. إلا أن ملمحين رئيسيين مرتبطين حكماً هذا الوجود والدور الإعلامي، الأول هو أن الجماعة الموحدة ظلت حتى قبل العقد الأخير هي الكيان التنظيمي الوحيد بقيادتها، هي التي تدير هذا الإعلام وتعده مكملاً لأنشطتها الأصلية من تجنيد وتنظيم وتحركات جماهيرية وغيرها، وليس بديلاً للجماعة بكل تكويناتها المركبة والملمح الثاني هو أن المهمة الرئيسية لاستمرار الجماعة على قيد الحياة، وهو تجنيد العضوية الجديدة، قد ظلت تمارس بالوسائل المعروفة الموروثة للجماعة منذ تأسيسها، والتي يؤدي الاتصال المباشر فيها الدور المركزي، ولم يكن إعلام الجماعة في ظل هذه الاستراتيجية المستقرة للتجنيد يؤدي دوراً يذكر، هو فقط للدعاية وجذب اهتمام بعض الذين يمكن تجنيدهم فيما بعد بهذه الوسائل الموروثة.
ومع المرحلة الراهنة التي تمر بها الجماعة منذ عقد تقريباً، لحقت تغيرات هائلة بإعلام الجماعة والملتحق بها الموجه كاملاً من خارج مصر، وأيضاً علاقته بما تبقى من الجماعة نفسها. فكل هذه الملامح تؤكد أن مفهوم الجماعة الواحدة قد انتهي تماماً، وأن رؤوساً أو جماعات متباينة تشكل لكل منها إعلامها. كما أكدت تلك الملامح أن قدرة كل هذه الرؤوس أو الجماعات على التجنيد الجديد بالوسائل المباشرة الموروثة داخل مصر، قد أضحت هدفاً قصي المنال. كذلك، فإن الهزائم الهائلة التي تلقتها الجماعة على صعيد المجتمع المصري، دفعت إعلام فرقها المتباينة إلى تغییر جوهر رسالته القديمة، والذي كان الدعاية للجماعة بما يزيد من شعبيتها إلى حيث أصبح وفقط مستهدفاً التحريض على الحكم في مصر والسعي بأي وسيلة لخلخلته.
في ظل كل ملامح هذا الانهيار الكبير، يبدو جلياً أنه على صعيد الإعلام وما تبقى من جماعة الإخوان، أن إعلام فرقها المتباينة أصبح هو الجماعة -أو الجماعات نفسها، فكل الأدوار الأخرى التنظيمية والحركية والجماهيرية المالية وغيرها، التي كانت حكراً على الجماعة وقت وجودها ووحدتها وقوتها قد تلاشت أو هي على وشك هذا، ولم يبق لديها، أو يحل محلها، سوى ذلك الإعلام الخاص بفرقها المختلفة وببعض الملتحقة بهم، لكي تدخل بقايا الجماعة في منعطف تاريخي غير مسبوق منذ تأسيسها، والأكثر رجحاناً هو أننا الآن أمام عملية تحول تاريخية كبرى وتسير بسرعة كبيرة، وهي تحول الجماعة إلى جماعات صغيرة الحجم ذات طابع احتجاجي أو انقلابي عنيف، سيكون بينها من التعارض والصراعات ما سيزيد من تقزم كل منها، وربما يضيف مزيداً من التطرف الفكري والحركي للبعض منها مما سيفقدها – وغالباً لآماد غير منظورة – جاذبيتها التاريخية القديمة لمختلف الطبقات والفئات المصرية التي كانت تنخرط فيها اعتقاداً في وسطيتها واعتدالها وسلميتها.