الجيش السورى ومعضلة المقاتلين الأجانب.. لماذا قررت وزارة الدفاع السورية الاعتماد على مقاتلى الإيجور؟ – الجريدة

تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق

تشكل ظاهرة المقاتلين الأجانب فى سوريا معضلة تتعلق أولًا بشكل النظام السياسى الوليد، فضلًا عن شكل وزارة الدفاع المتوقع للجمهورية العربية السورية، خاصة بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة بالبلاد فى 8 ديسمبر عام 2024.

حيث لجأت الهيئة إلى إعطاء الجنسية لعدد من المقاتلين الأجانب، ليس هذا فحسب لكنها أعطتهم أيضًا رتبًا عسكرية، وهو ما أثار مخاوف الدول التى أتى منها هؤلاء المقاتلون، المحملون بأفكار أيديولوجية متطرفة، حيث بات هؤلاء مصدر تهديد للدولة التى سوف يُصبحون جزءًا من تشكيلاتها والدول التى أتوا منها بطبيعة الحال، ويًضاف لهذا وذاك صبغ الدولة بصورة ميليشياوية.

  القيادة السورية الحالية تعتبر بكين عدوًا وليس حليفًا المقاتلون يحملون رتبا عسكرية وصراعهم مبنى على أساس دينى ويعتبرون فكرة القتال خارج الحدود الصينية مسألة وقت

من أهم من تم دمجهم فى الجيش السورى ما يُسمى بمقاتلى الإيجور التابعين لحزب العمال التركستاني، وهؤلاء أتوا من تركستان الشرقية، إحدى مقاطعات الصين الشعبية، هؤلاء يدعون اضطهادًا فى بلدانهم، فبدأوا يبحثون عن حياة أخرى خارج بلدانهم، من خلال الالتحاق بصفوف القتال فى سوريا أو فى أفغانستان، أو أى بلد بها فوضى وحرب.

والأمر لم يقتصر على مقاتلى الإيجور ولكنه اتجه إلى الأزبك وبعض الشيشانيين ومقاتلين من مصر وجنسيات أخرى انضمت للقتال مع هيئة تحرير الشام، هؤلاء أخذوا وعودًا بالحصول على الجنسية السورية، وبعضهم أخذ رتبا عسكرية رفيعة فى وزارة الدفاع السورية، على خلفية خبرتهم فى القتال.

فضلًا على أنّ إدارة قيادة العمليات فى سوريا ترى أنّ هؤلاء المقاتلين متآلفون، وبالتالى لابد أنّ تُشكل منهم وزارة الدفاع، وهنا تبدو الخطورة ليس فى حصول هؤلاء على الجنسية السورية ولكن فى إعطائهم رتبا عسكرية، فهؤلاء لن يكونوا مجرد مقاتلين فى الجيش الوليد، ولكنهم سوف يكونون نواته الحقيقية.

1741628642 515 804

 

المقاتلون الإيجور معضلة المقاتلين الأجانب

 

الحزب الإسلامى التركستاني، هو جماعة مقاتلة فى تركستان الشرقية، إحدى مقاطعات الصين الشعبية، بعض هؤلاء لديهم عقيدة قتالية، حيث يعتبرون أنفسهم أقلية دينية؛ يبلغ تعداد الشعب الإيجورى حوالى ٢٥ مليون نسمة، يعيشون على قرابة مليون وستمائة ألف كيلو متر.

لا يوجد إحصاء رسمى لأعداد مقاتلى الإيجور ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، ولكن هناك عدة أرقام لا يُوجد تأكيد عليها مثل أنهم قد يصل تعدادهم إلى ١٠ آلاف مقاتل، وأنّ خمسة آلاف منهم يستعدون للقتال فى أفغانستان أو الانتقال إليها، وهو ما قد يُهدد أمن الصين بصورة تبدو أكثر مباشرة.

التاريخ يؤكد أنّ عملية نزوح تمت من أفغانستان إلى سوريا بالنسبة لمقاتلى الإيجور فى العام ٢٠١٢ بعد تصاعد الأحداث فى سوريا، صحيح أنّ بعضهم يُريد العودة إلى أفغانستان بعد صعود هيئة تحرير الشام كما كانوا، ولكن المؤكد أنّ أفغانستان كانت بمثابة الجسر الذى انتقلوا من خلاله إلى سوريا.

باتوا فى وضع تأسيسي، رابطة أكثر قوة وتماسكًا فى العام ٢٠١٥، فهم العدد الأكبر بين فصائل المقاتلين الأجانب فى سوريا؛ وربما أعدادهم الكبيرة أعطت لهم ميزة، فضلًا على قوة البأس، فهم مقاتلون أشداء، يمتازون ببنية قوية، ولذلك يُعتمد عليهم بصورة كبيرة فى المعارك العسكرية.

هيئة تحرير الشام ترى فى هؤلاء المقاتلين أنهم مقاتلون مميزون لأسباب أخرى ترتبط بشعور هؤلاء المقاتلين بعقدة الاضطهاد، فهؤلاء فى بلدانهم يروجون لعقدة الاضطهاد، حيث يسعون للإنفصال، وتكوين دولة إسلامية بعيدًا عن الصين التى تمتلأ بالعرقيات والقوميات والأديان الأخرى.

 

خطورة مقاتلى الإيجور على الصين 

 

السؤال الذى يطرح نفسه، إلى أى مدى يُشكل المقاتلين الإيجور خطورة على البلد التى انحدروا منها وهى الصين؟ وهل هم يُمثلون جزءًا من الجهاد العالمى أم أنهم مجرد جماعة جهادية محليّة؟ 

فى الحقيقة مقاتلو الإيجور يمثلون خطورة على الصين، رغم أنهم انضموا لجماعة وصفت نفسها بأنها جماعة محليّة وهى هيئة تحرير الشام، صحيح كانت لها علاقة بجماعات راديكالية ذات بعد عالمى مثل قاعدة الجهاد وداعش، ولكن مجرد انتقال هؤلاء المقاتلين إلى فكرة القتال خارج حدود بلدانهم يُعطيهم هذا الوصف.

ونُدقق القول أكثر، أنهم باتوا بطبيعة نشأتهم وتكوينهم وممارسة القتال فى حدود دول أخرى مقاتلين ذوى خطورة شديدة، لأنهم أولا ينتقلون للقتال من دولة لأخرى حسب الحاجة، والتسمية الصحيحة لهم مرتزقة، يُقتال مقابل الارتزاق أو نشر الأفكار، كما أنهم يستعدون للعودة إلى دولهم التى انحدروا منها لمعاودة القتال مرة ثانية، وهنا تبدو الخطورة الحقيقية.

وهنا لابد أنّ نتذكر، أنهم ضم جزءً منهم إلى الجيش السوري، وأخذوا رتبًا عسكرية، مع الوقت سوف يُصبح هذا الجيش معاديا بحكم عقيدته للدول التى انحدر منها هؤلاء المقاتلين، وهنا أخذ الجيش صبغة عدائية بحكم أنهم باتوا جزءا منه.

هناك من يذهب إلى أنّ الأعداد الأقرب إلى الصحة تصل إلى خمسة آلاف مقاتل، وبالتالى يمكن أنّ يعودوا لبلدانهم مرة أخرى وبالتالى يُمارسون القتال باحترافية، وفق الأفكار التى آمنوا بها وتدربوا على حمل السلاح من أجلها، هؤلاء يتكاثرون بطبيعة الحال، أفكارهم تنتقل كالنّار فى الهشيم بين ساكنى تُركستان الشرقية أو بعض المسلمين الصينيين.

يتم تشكيل الجيش السورى من خلال بعض مقاتلى الإيجور، رغم أنّ الأمم المتحدة والصين وضعتهم على قوائم الإرهاب؛ وهنا يبدو شكل الجيش السورى وما سوف يكون عليه، ضمن تشكيلاته مجموعات وضعت على قوائم الإرهاب سواء من قبل دولهم أو من قبل المجتمع الدولى ممثلًا فى الأمم المتحدة.

إعطاء الجنسية للمقاتلين التابعين للحزب الإسلامى التركستانى نكاية فى الصين التى تعتبرها القيادة السورية الحالية عدوًا وليس حليفًا بسبب علاقتها بالنظام السابق، وهنا تبدو خطورة هؤلاء المقاتلين الذين تم تجنيسهم واعطائهم رتبًا عسكرية.

خرج أمير المقاتلين الإيجور فى تسجيل، موثق بالصوت والصورة، فى ديسمبر الماضي، بعد سقوط دمشق، حيث قال،: اليوم نساعد إخواننا فى بلاد الشام وغدًا سوف نحرر تشينج يانج، وهى منطقة تقع فى غرب الصين، تلك التى انحدر منها هؤلاء المقاتلون.

المقاتلون الإيجور عيونهم مسلطة بصورة كبيرة على الصين وتحرير الإقليم الذين يعيشون فيه، وقتالهم مبنى على أساس دينى فى الأساس، وهم يعتبرون فكرة القتال خارج الحدود الصينية مسألة وقت، وعليها سوف يعودون إلى تحرير بلدهم مرة ثانية.

 

تعامل الصين الأمثل مع حالة مقاتلى الإيجور

 

الصين أمام خيارات كثيرة ترتبط بضرورة التخلص من مقاتلى الإيجور، وبخاصة الذين نشطوا فى مناطق الصراع فى سوريا على سبيل المثال، لأنهم يتوعدون بتنفيذ عمليات مسلحة داخل الأراضى الصينية، فهم يعتبرون أنّ ذلك فرضًا يجب على كل المقاتلين الذين مارسوا القتال فى سوريا أنّ يعودوا لبدانهم.

هناك أزمة مع مقاتلى الإيجور، لكن الأزمة الأكبر تبقى مع القيادة التى جندت هؤلاء المقاتلين، وفى الدور الذى يمكن أنّ يلعبه هؤلاء المقاتلون بعد تجنيسهم وحصولهم على رتب عسكرية، وهذا ما يجب أنّ تنتبه إليه الحكومة فى الصين، ففكرة المواجهة لابد أنّ تكون موزعة بين مواجهة الصين وبين مواجهة المقاتلين الذين يمثلون خطورة عليها.

والصين أمام خيارات عشرة يمكن التعامل من خلالها مع هؤلاء المقاتلين منها:

-مواجهة هؤلاء المقاتلين سواء كانوا على أراضيها أو خارج أراضيها، هذا ما تقوم الصين به، فهو يُعتبر جزءا من محاولة القضاء على الظاهرة أو يُعتبر إحدى أولويات المواجهة، لابد أنّ تكون المواجهة شاملة للمقاتلين وفق قواعد القانون المعمول به ودون الإخلال بأى حقوق للمواطنين مهما كانت صغيرة. 

-مواجهة أى دولة تبدو حاضنة لهذه القوات أو داعمة لها مثل القيادة فى سوريا، وهنا لابد أنّ تكون المواجهة موزعة كما أشرنا للدول التى تحتضن هؤلاء المقاتلين، وألا تقتصر المواجهة للمقاتلين نفسهم، الذين تم وضعهم على قوائم الإرهاب.

-عقد اتفاقيات مع بعض الدول التى كانت تُوفر لهم حماية سابقة، إذا كان ذلك متاحًا، صحيح يتم استخدام مقاتلى الإيجور استخدام سياسى بهدف توجيه لكمات سياسية وإضعاف الصين، ومحاولة التأثير عليها باعتبارها نقطة ضعف، ولكن هذا لا يمنع من الاتفاق الدولى مع بعض الدول الحاضنة لهم من أجل المساعدة فى القضاء على الظاهرة.

-عمل مراجعات قانونية وفكرية خاصة بهؤلاء المقاتلين، بحيث تغلق الباب أمام انتشارهم وتكاثرهم، المراجعات القانونية والفكرية تقطع الطريق أمام مزيد من الانتشار لأفكار هؤلاء، المراجعة فكرة إنسانية لا تُعبر عن ضعف المراجع لنفسه ولا تُعبر عن ضعف الدولة التى تقبل مواطنيها الذين راجعوا أفكارهم، ولكن أثر ذلك وثمارة سوف تظهر على الظاهرة بعد وقت بسيط.

-عمل زيارات للباحثين والصحفيين والإعلاميين للمناطق التى يتواجد فيها المسلمون الإيجور فى الصين، بحيث يطلعون على الوضع هناك، وغلق الباب أمام حديثهم الدائم بالاضطهاد، خاصة أنّ كثيرا من العالم بات مضطرًا لتصديق رواية الإيجور، خاصة أنّ الصين تعتبر أنّ هذا شأن داخلى فمن هذا المنطلق ترفض الإجابة عن أى أسئلة تتعلق بالإيجور أو الاستجابة لمطلب الزيارات.

-عمل مدونة ترتبط بدراسة خطاب هؤلاء المقاتلين وبخاصة الجاذب لقطاع من المسلمين فى دول كثيرة، لابد أنّ يخضع هذا الخطاب إلى الدراسة والتحليل، لابد أنّ تكون القراءة معمقة وكفاية لفهم هؤلاء وما يرمون إليه، قراءة الخطاب ليس من الزاوية السياسية فقط ولكن من الزاوية الفكرية والدينية أيضًا.

-تفكيك الأفكار المؤسسة التى يعتمد عليها الحزب الإسلامى التركستانى فى نشر مظلومته التى يدعيها الاضطهاد، لابد من إعادة النظر سواء فى طبيعة ما يؤمن به مقاتلى الإيجور أو التحولات التى تؤثر فى خطابهم، مع دراسة بعض مطالبهم، دراسة تُفضى إلى قطع الطريق أمام تأثير هؤلاء مع باقى مسلمى تركستان الشرقية.

-قطع الطريق أمام المجتمع الدولى أو الولايات المتحدة الأمريكية فى استغلال قضيتهم سياسيًا ضد الصين.

-بحث بُعد تعدد القوميات فى الصين وعلاقة ذلك ما يُريد أنّ يكون عليه المسلمون الإيجور، وهنا نفصل القول فى أنّ الإيجور أعطى انطباعا لدى عدد كبير من المسلمين فى أنحاء العالم أنّ دولة الصين لديها مشكلة فى التعامل مع هؤلاء المسلمين، وأنّ اضطهادها يأتى من منطلق عبثى رافض لفكرة الدين، وهنا نجح الإيجور فى تحويل قضيتهم إلى اضطهاد قضية اضطهاد دينى وليس قضية انفصال.

مفهوم أنّ الصين بلد تحوى عرقيات ومذاهب وأديانا كثيرة، وهو ما يؤثر على استقرارها مستقبلًا، وهى تعتمد سياسة تمنع أى من مواطنيها أنّ يُعبر عن قوميته أو دينه، وتُعلى من فكرة الانتماء للوطن أولًا، وهو ما لا يتفهمه المسلمون أو يفسرونه بشكل خاطئ، وهى قضية تحتاج إلى نظر والاقتراب من المشكلة والتعامل معها، مع توضيح ما ينبغى أنّ يكون عليه الوضع.

-إعطاء الأولوية الأكثر لإعادة دمج المقاتلين الإيجور الذين لا يمانعون من العودة عن أفكارهم أو الإضرار بأمن بلدانهم، أفضل طريقة يتم التعامل بها مع قضية مقاتلى الإيجور، هو دمج من يُريد منهم العودة إلى الوطن، شرطة تخليها بصورة كاملة عن الأفكار التى تهدد أمن البلاد وتخليه عما كان يؤمن، بالطبع لا نقصد تخليه عن الدين، ولكن تخليه عن الأفكار المتطرفة.

 

1741628643 732 791
1741628643 401 789

close