اتفاقية المعادن النادرة بين أميركا وأوكرانيا تواجه صعوبات تحول دون الاستفادة منها – الجريدة

في الأيام الأخيرة اقتربت الولايات المتحدة وأوكرانيا من توقيع اتفاقية معادن تاريخية، من المفترض أن يلزم أحد نصوصها أوكرانيا بدفع 50% من عائدات التحويل النقدي المستقبلي لجميع أصول الموارد الطبيعية المملوكة للحكومة الأوكرانية، بما في ذلك المعادن والنفط والغاز، إلى صندوق ستمتلكه الدولتان بشكل مشترك، واستخدام العائدات لإعادة الاستثمار في أوكرانيا.

وجاء في مشروع الاتفاقية أن الولايات المتحدة ستحافظ في المقابل على التزام مالي طويل الأجل لتنمية أوكرانيا، وجعلها مستقرة ومزدهرة اقتصادياً.

الاجتماع الكارثي

لكن بعد اجتماع وصف بـ«الكارثي» في البيت الأبيض يوم الجمعة 28 فبراير الماضي، بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يبدو أن الصفقة قد ألغيت، على الأقل في الوقت الحالي.

وحتى قبل اجتماع يوم الجمعة، ألغت وزارة الخارجية الأميركية مبادرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الهادفة إلى دعم استعادة شبكة الكهرباء في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن الأوكرانيين رفضوا نسخة سابقة من الاتفاق قالوا إنها لم تحدد التزاماً عسكرياً أميركياً، فقد لجأ ترامب إلى منصته الاجتماعية «سوشيال تروث» في 24 فبراير للترويج «لأهمية اتفاقية المعادن والعناصر الأرضية النادرة الحيوية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا»، معرباً عن أمله أن «يتم توقيعها قريباً جداً».

وبالفعل ضغطت إدارة ترامب على الحكومة الأوكرانية لإبرام الاتفاقية، لكن واشنطن تراجعت عن مطلب رئيس، يتمثل في مساهمة أوكرانيا بمبلغ 500 مليار دولار في صندوق تسيطر عليه الولايات المتحدة، وهو مبلغ يزيد على ضعف الناتج الاقتصادي السنوي لأوكرانيا حتى قبل حربها مع روسيا، ويتجاوز بكثير مبلغ 120 مليار دولار المقدر الذي تلقته أوكرانيا في شكل مساعدات أميركية منذ يناير 2022.

مصالح

ويبدو أن الحقائق الفريدة لأسواق المعادن العالمية، فضلاً عن الظروف اللوجستية على الأرض في أوكرانيا، تجعل من غير المرجح إلى حد كبير أن يكون لهذه الأصول أي تأثير كبير في الأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة في الأمدين القريب والمتوسط، كما أنها لن تحل مشكلات التوريد.

وقد وصف البعض النهج الجديد، الذي يقوم على مقايضة ثروات أوكرانيا المحتملة من الموارد في مقابل ضمانات غامضة بدعم الولايات المتحدة، بأنه «اتفاق استعماري».

لكن حتى من منظور قائم على المصالح البحتة، هناك العديد من الحقائق البنيوية التي تحول دون مساهمة المواد المستخرجة في أوكرانيا بشكل كبير في اهتمام مجتمع الأمن القومي الأميركي المتجدد بالمعادن الحيوية، لأن مدى موارد أوكرانيا واحتياطياتها المعروفة غير متجانسة نظراً للبيانات المحدودة، فقد تم إجراء آخر تقييم معروف لموارد البلاد المعدنية أثناء المسوحات الجيولوجية السوفييتية التي أجريت بين عامي 1960 و1980 باستخدام أساليب استكشاف عفا عليها الزمن.

لقد أشاد كل من زيلينسكي وترامب علناً بما وصفه ترامب بـ«المعادن النادرة الثمينة للغاية» في أوكرانيا. والمعادن النادرة هي مجموعة من 15 إلى 17 معدناً نادراً تستخدم في صناعات مثل المغناطيس، والتي لها تطبيقات عسكرية ومدنية في البطاريات، وكذلك أنظمة توجيه الصواريخ.

مسح أشمل

غير أنه وفقاً لمقابلة أجرتها وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» مع الجيولوجي توني ماريانو، لا تمتلك أوكرانيا أي رواسب من المعادن النادرة المعروفة علناً والمجدية اقتصادياً، على الرغم من أنها قد تمتلك بعض رواسب «الإسكنديوم»، حيث يتم تصنيف المعلومات حول هذا العنصر من قبل الحكومة الأوكرانية.

ومن المحتمل أن تكون وسائل الإعلام وترامب نفسه، قد خلطا بين المعادن النادرة والمجموعة الأوسع من المعادن الحيوية، حيث تمتلك أوكرانيا بعض الرواسب القابلة للتطبيق تجارياً من «التيتانيوم» و«الغاليوم»، وكل منهما من المعادن المهمة استراتيجياً مع تطبيقات مدنية وعسكرية.

وقد زعم بعض الباحثين أن رواسب خام «التيتانيوم» المؤكدة في أوكرانيا لها طبيعة معقدة، وقد تحتوي على معادن نادرة، لكن هناك حاجة إلى مسح أكثر شمولاً لتأكيد وجودها وقابليتها التجارية. وكانت أوكرانيا شهدت في الماضي عمليات تعدين لـ«الغرافيت» و«المنغنيز».

كما صنفت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أوكرانيا في المرتبة الخامسة بين الدول الأوروبية من حيث رواسب «الليثيوم».

و«الليثيوم» مادة مهمة لإنتاج البطاريات، لكن العديد من البلدان الأخرى لديها أيضاً رواسب كبيرة من هذا المعدن، والمشكلة هي أن تعدينه ليس دائماً مجدياً تجارياً أو سياسياً.

الجدوى التجارية

وحتى لو أكّدت دراسة جيولوجية جديدة، وجود موارد معدنية نادرة وحرجة كبيرة في أوكرانيا، فقد تكون الجدوى التجارية لاستخراج هذه الموارد، منخفضة. أولاً، لأن تطوير مناجم جديدة، سواء كانت مناجم مفتوحة أو مناجم أنفاق عميقة، هي عملية بطيئة جداً، كما أنه حتى لو تم حفر الأرض غداً في مواقع جديدة في أوكرانيا، فقد لا تنتج موارد معدنية لمدة عقد أو ربما عقدين من الزمان.

إن استخراج المعادن يصبح أكثر صعوبة عندما تكون هناك أعمال عسكرية مستمرة، كما أن عدداً من المواقع المعدنية المعروفة تقع في الأجزاء الشرقية من البلاد التي تسيطر عليها روسيا حالياً، ما يجعل إمكانية الوصول إليها غير مرجحة ما لم يتم استعادة تلك المناطق.

ومن شأن الحملة الروسية المستمرة ضد البنية التحتية الحيوية الأوكرانية، لاسيما استهدافها المستمر للبنية التحتية للطاقة، أن تؤخر أي احتمال للتعدين التجاري.

ولأن التعدين صناعة كثيفة الاستهلاك للطاقة، فإن أي مشاريع ستتطلب أولاً إعادة إنشاء قاعدة كبرى للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، الأمر الذي يستلزم بدوره إنهاء الهجمات الروسية، كما أدت الحرب إلى تدهور عميق للقوى العاملة في البلاد.

وإضافة إلى ذلك، سواء تم استخراجها في أوكرانيا أو جزيرة غرينلاند أو في أي مكان آخر في العالم، فإن المعادن تحتاج أيضاً إلى المعالجة لكي تكون مفيدة.

والواقع أن الأبحاث تظهر أن نقطة الاختناق الأمنية الأساسية حول المعادن الحيوية ليست التعدين، بل المعالجة والتكرير، وتسيطر عليهما الصين إلى حد كبير.

القدرة العالمية

ولو في حال تمكنت الولايات المتحدة من الوصول إلى المعادن من خلال دعم الحلفاء أو أنواع الترتيبات المقترحة في أوكرانيا، فإن الصين تمتلك معظم القدرة العالمية على التكرير والإنتاج. وعلى سبيل المثال، وجد باحثون في الحكومة الأميركية أنه على الرغم من أن الصين استخرجت أقل من 20% من إجمالي إمدادات «الليثيوم» في العالم خلال عام 2019، فإنها سيطرت على أكثر من 60% من طاقته الإنتاجية.

واليوم، اكتسبت الصين سمعة طيبة لإبرام صفقات مع دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية للحصول على معادنها، بما في ذلك «الكوبالت».

وفي رئاسة ترامب الأولى، أطلقت إدارته جهداً دبلوماسياً للمعادن، يسمى «مبادرة موارد الطاقة والحوكمة»، حيث إنه بناءً على هذه المبادرة، أنشأت إدارة الرئيس السابق، جو بايدن برنامج تأمين المعادن.

عن «الفورين بوليسي»


صعوبة

تلعب المعادن دوراً مهماً في حديث إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول رغبة ترامب في ضم كندا، حيث يتردد صدى هذه المشاعر في المبالغة السابقة من قبل الأميركيين الآخرين حول قيمة عمليات الاستحواذ المعدنية المحتملة في أفغانستان. لكن عقوداً من «العنف السياسي» هناك جعلت من الصعوبة والمستحيل تقريباً على أي طرف استخراج هذه الموارد، حتى بعد أن أوضحت المسوحات الجيولوجية السوفييتية الكبرى التي جرت بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي، مجموعة واسعة من الموارد المعدنية.

. استخراج المعادن يصبح أكثر صعوبة عندما تكون هناك حرب، كما أن عدداً من مواقع التعدين في أوكرانيا يقع في مناطق تسيطر عليها روسيا حالياً.

. حتى لو تمكنت أميركا من الوصول إلى المعادن في أوكرانيا، فإن الصين تمتلك معظم القدرة العالمية على التكرير والإنتاج.

 

close