القرآن روح الأمة وسر عودتها وبدونه تتيه في دروب الضياع – الجريدة

عقد الجامع الأزهر، مساء اليوم الأربعاء عقب صلاة التراويح، ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية، تحت عنوان “القرآن عطاء متجدد”، بحضور فضيلة الدكتور مجد عبد الغفار، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وفضيلة الدكتور حسين مجاهد، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر. وأدار الملتقى الدكتور مصطفى شيشي، مدير إدارة شؤون الأروقة بالجامع الأزهر.

استهل الدكتور مجد عبد الغفار حديثه بالتأكيد على أن القرآن هو روح هذه الأمة، وهو سر نهضتها وتقدمها، وبدونه تفقد الأمة بوصلتها وتتيه في دروب الضياع. فالقرآن لم يكن يومًا مجرد كتابٍ للبركة، وإنما هو منهج حياة، ومصدر فكرٍ، ودستورٌ شاملٌ لكل ما يحتاجه الإنسان في دنياه وآخرته. ولكن، مع الأسف، باتت العلاقة مع القرآن عند كثيرٍ من الناس تقتصر على التلاوة دون التدبر، وعلى الحفظ دون الفهم، حتى أصبحنا أمةً هجرت مصدر قوتها. لقد نزلت أول آيةٍ في الإسلام بأمرٍ واضحٍ “اقرأ”، لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا اليوم: كم من المسلمين يقرأون قراءة وعيٍ وتدبرٍ؟ وكم منهم يجعلون القرآن منهجًا يوجه حياتهم؟

وأجاب الدكتور عبد الغفار بأن القرآن لا يطلب منا مجرد ترديد ألفاظه، بل يطلب أن نعيه بعقولنا، ونتفاعل معه بقلوبنا، ونعمل به في سلوكنا. والقرآن نفسه يعاتب الذين لا يتدبرونه، فيقول الله تعالى: “أفلا يتدبرون القرآن”، فالتدبر ليس خيارًا، بل هو جزءٌ من المنهج القرآني في التعامل مع هذا الكتاب العظيم. ولهذا فإن الأمة التي تريد أن تنهض من جديد، لا بد لها من أن تجعل القرآن قائدها في الفكر والعمل، وأن تستلهم منه مبادئها الكبرى، وقيمها الحضارية. فهو كتابٌ جاء ليحكم الحياة، وليكون النور الذي يضيء طريق الإنسانية، فلا ينبغي أن نحصره في حدود الشعائر دون أن يمتد إلى واقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ثم تناول الدكتور حسين مجاهد الحديث عن الجانب التشريعي في القرآن، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم هو الدليل القاطع على أنه كتابٌ معجز، والبرهان الواضح على أنه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد. ولمَ لا؟ وهو كلام الله الذي قال عن نفسه: “ومن أصدق من الله حديثًا”. وما دمنا نتحدث عن عطاء القرآن المتجدد، فلا بد أن نشير إلى عطائه في مجال التشريع، حيث جاء بأحكامٍ ومبادئ صالحةٍ لكل زمانٍ ومكانٍ، لأنه ليس مجرد تشريعٍ وضعيٍّ محدودٍ ببيئةٍ أو مجتمعٍ معين، بل هو تشريعٌ ربانيٌّ يخاطب الإنسان في كل عصرٍ وفي كل ظرفٍ.

وأضاف الدكتور مجاهد أن القرآن الكريم سبق النظم القانونية الحديثة بقرونٍ طويلةٍ في وضع القواعد الأساسية للعدالة، والحقوق، والمساواة، وهو ما أذهل كثيرًا من المفكرين الغربيين. فقد ذكر أحد كبار أساتذة القانون في جامعة فيينا أن “البشرية تفخر بأن فيها رجلًا كمحمدٍ ﷺ، إذ استطاع – وهو الأمي – أن يأتي بتشريعٍ سنكون نحن الأوروبيين أسعد ما نكون إذا بلغنا قمته بعد ألف عامٍ!”. وهذا دليلٌ واضحٌ على أن التشريع الإسلامي ليس قاصرًا على زمنٍ معين، بل هو متجددٌ في عطائه، قادرٌ على استيعاب المستجدات، وحل المشكلات التي تعترض المجتمعات البشرية.

واختتم الدكتور مصطفى شيشي الملتقى بالتأكيد على أن القرآن الكريم ليس مجرد كتابٍ للقراءة والتلاوة، بل هو مصدر الهداية والنور. فمن تدبره وجده بحرًا لا ساحل له، ومعينًا لا ينضب، لأن معانيه تتجدد بتجدد العصور، وعطاؤه مستمرٌ لمن أراد أن يغترف منه. فمن يقرأ القرآن بعقلٍ واعٍ، يجد فيه حلولًا لكل القضايا، سواءً كانت دينيةً أو اجتماعيةً أو اقتصاديةً أو علميةً. فالقرآن لم يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وتعرض له بأسلوبٍ محكمٍ، وبمنهجيةٍ تجعل الإنسان قادرًا على استلهام العبر، والتعرف على السنن الإلهية في الكون والحياة. ولهذا، فإن أعظم ما يمكن أن يقوم به المسلم في حياته هو أن يجعل القرآن دليله في السير، ونوره في الظلمات، وسنده في الأزمات، فبه يسعد في دنياه وآخرته، وبه يرتقي في مدارج الفهم والعلم، ليكون كما أراده الله “خير أمةٍ أخرجت للناس”.

close