رؤية خبير
الخميس 20 فبراير 2025 | 03:18 مساءً
اللواء الدكتور/ محسن الفحام
لسنوات طويلة كان الرأي العام يرى أن وزارة الداخلية تكثف كل جهودها على الأمن السياسى على حساب الأمن الجنائى وهو ما أدى الى تزايد اجرائم الجنائية وإنتشار الفوضى وعدم الإنضباط فى الشارع المصرى وذلك من وجهه نظرهم …..والحقيقة إنه برغم صعوبة الأوضاع الأمنية بصفة عامة وجرائم الإرهاب بصفة خاصة والتى شهدت أعلى معدلاتها فى اعقاب أحداث يناير 2011 وإستمرت حتى نهاية 2014 تقريباً حيث تعرض جهاز الشرطة لتحديات قاسية ومؤامرات أحيكت لتنال من عضد رجالها وخاصة عندما قامت جماعة الإخوان الإرهابية وكذلك التنظيمات التى تدور فى فلكها بمحاولات إغراق الدولة بعمليات إرهابية متنوعة شملت العديد من المحافظات والمواقع الحيوية والإستراتيجية إعتقاداً منهم أن ذلك سوف يترتب عليه إهمال الجرائم النوعية الأخرى التى سوف يساعد إنتشارها فى مخططات هدم المجتمع من الداخل خاصة إذا كانت تلك الجرائم تتعلق بتجارة السلاح أو المخدرات وهى جرائم لا تقل خطراً عن الإرهاب …ومن هنا فإن قيادات وزارة الداخلية كانت حريصة تماماً على وضع إستراتيجيات متوازنة وشاملة لمكافحة الجرائم بجميع صورها وأشكالها وهو ما نشاهد نتائجه واضحة جليه منذ أن تولى السيد اللواء محمود توفيق قيادة وزارة الداخلية حيث عكف على وضع الخطط المناسبة للتعامل مع كافة الجرائم والتى شهدت هى الأخرى تطورات مذهلة فى أساليبها وأدواتها وأهدافها …وعلى الرغم من ذلك فإن أجهزة الشرطة وقطاعاتها المختلفة حتى القطاعات التى تم إستحداثها لتتواءم مع الجرائم المستحدثة مثل جرائم الإنترنت والجرائم الإليكترونية وجرائم الأمن السيبرانى لم تكن أبداً تعمل بمبدأ رد الفعل بل كانت توجه ضربات إستباقية ناجحة فى جميع المجالات بعضها يتم الإعلان عنه والبعض الآخر لا يتم الإعلان وذلك إما لإعتبارات أمنية أو لإستكمال وتتبع مسارات قضايا أخرى أو لإعتبارات أخرى لا يجوز الإفصاح عنه.
ومن أهم تلك النوعيات من الجرائم حالياً تجارتى السلاح والمخدرات وكلاهما شهد تطوراً كبيراً فى أساليب التهريب سواء عن طريق البر أو البحر مستغلين فى ذلك الفراغ الأمنى الذى تشهده الدول المجاورة لنا جنوباً وغرباً وشرقاً وشمالاً ايضاً عن طريق البحر الأبيض المتوسط ….ويكفى هنا أن نشير الى أنه قد تم ضبط كميات غير مسبوقة من المواد المخدرة خلال العام الماضى قدرت قيمتها ب 15.7 مليار جنيه وحالت دون نفاذ كميات ضخمة أخرى من المخدرات التخليقية لإعادة تهريبها لدول أخرى تقدر قيمتها بالدول المستهدفة بحوالى 28 مليار جنيه …وفيما يتعلق بتجارة السلاح فإن الأمر لا يقل خطورة وصعوبة فى التعامل مع تلك الجريمة بل قد يتعدى فى خطورته معظم الجرائم الجنائية الأخرى حيث يتم الإتجار فى أسلحة جديدة ومتطورة وأحياناً يتم إستخدامها لمواجهة أى حملات أمنية يتم إعدادها للتعامل مع تجار الموت وهو ما حدث مؤخراً مع المجرم الهارب محمد محسوب المقيم فى قرية العفاردة بمركز ساحل سليم محافظة اسيوط والذى أطلق على نفسه لقب خُط الصعيد الجديد والمحكوم عليه فى 44 جناية بأحكام نهائية ما بين مخدرات وقتل وشروع فى قتل والإتجار فى السلاح وسرقة بالإكراه حيث وصلت الأحكام التى صدرت ضده إلى السجن والسجن المؤبد بمدد بلغت 191 سنة ….وكان المذكور قد بدأ نشاطه الإجرامى منذ عام 2004 حيث حكم بالسجن لمدة 3 سنوات فى قضية إحراز سلاح ولكنه تمكن من الهرب قبل تنفيذ الحكم… وفى أعقاب أحداث يناير 2011 حدث تقارب وتعاطف مع الكوادر الإخوانية المطلوبة للعدالة حيث كان يقوم بإيوائهم ومعاونتهم فى أعقاب سقوط الجماعة الإرهابية فى 2013 ….ولو نظرنا إلى كمية الأسلحة التى تم ضبطها فى أعقاب التعامل مع المذكور والقضاء عليه ومعه أبنه وأخيه وخمسة من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة لرأينا مدى خطورة التعامل مع تجار الأسلحة حيث تم ضبط أسلحة نارية متنوعة منها آر بى جى ورشاشات جرينوف وبنادق آلية وقنابل ومسدسات بكميات كبيرة بالإضافة الى قيامه بتحصين المقر الذى كان يدير من خلاله نشاطه الإجرامى بعدد كبير من الدُشم الخرسانية وإسطوانات الغاز وعدد 700 كاميرا مراقبة وإحاطة هذا المقر بخنادق مخفية بأوراق الشجر والحشائش بحيث يسقط بداخلها أى معدة أو سيارة شرطة أو أى تعامل مع أجهزة الشرطة …وعلى الرغم من كل ذلك فقد تمكنت الحملة الأمنية التى تعاملت مع هذا الحصن الحصين من القضاء على هذا المجرم الهارب ومعه باقى أفراد التشكيل العصابى ….وقد إستمرت عملية تبادل إطلاق النار بين الطرفين ثلاثة أيام كاملة إلى أن تم القضاء على هذا التشكيل العصابى الخطير .
لقد قصدت من هذا العرض لواقعه ضبط المجرم الهارب محمد محسوب أن أؤكد أن وزارة الداخلية تعمل بشكل مدروس ومتوازن ومنظم …وفى ذات الوقت بشكل حاسم تجاه القضايا الجنائية مثلما تقوم بدورها أيضاً فى مجال مكافحة جرائم التطرف والإرهاب ومواجهة الكوادر وعناصر التنظيمات الإرهابية المختلفة…وهنا اتساءل حول من ينتقدون الأداء الأمنى فى مثل هذه الجرائم الخطيرة …هل من ينتقد ما تقوم به الأجهزة الأمنية فى مواجهة تجار السلاح والمخدرات يعرفون طبيعة الطبوغرافية للمواقع التى يختبئ فيها هؤلاء المجرمين؟….هل يعرفون مدى الإستعدادات المطلوبة لتلك المواجهات وما تتطلبه من ضرورة الحصول على معلومات دقيقة وتدريبات مكثفة وتجهيزات وأسلحة على أعلى مستوى؟.
هل سقط من بين هؤلاء المنتقدين أى شهيد أو مصاب وهو يواجه تلك التشكيلات الإجرامية المسلحة؟….هل يعلم هؤلاء كمية ونوعية الأسلحة التى يستخدمونها عند مقاومة الأجهزة الأمنية أثناء المواجهة؟… لماذا هذا الحرص على تجاهل النجاحات ومحاولات التشكيك فيها؟.
هذا هو قدر أجهزة الشرطة وقطاعاتها المختلفة فعليها أن تواجه مثل تلك الجرائم وتتعرض لمثل هذه التضحيات ولا تنتظر من أحد جزاءاً ولا شكوراً فهى تعمل لحماية الوطن وحماية المواطن حتى ولو كان الثمن هو حياة رجل الشرطة.
تحية لجميع العاملين بوزارة الداخلية سواء من القيادات أو الضباط والأفراد وتهنئة لهم على تلك النجاحات التى تتحقق يومياً على أرض الواقع تحقيقاً لرسالة الأمن التى يحملونها على عاتقهم ويعملون على تحقيقها مهما كانت تضحياتهم
… “إنها رسالة وأمانة”