الثلاثاء 11 فبراير 2025 | 03:34 مساءً
صورة توضيحية: جون إيمرسون/رويترز
في إطار سعيها لتجاوز الولايات المتحدة في سباق الفضاء، عقدت الصين نحو 23 اتفاقية مع دول إفريقية، مستثمرةً في الأقمار الصناعية والبنية التحتية لتعزيز تحالفاتها وكسب موطئ قدم أوسع في القارة، بينما تقلص واشنطن دعمها للدول النامية، وفقًا لتقرير رويترز
على مشارف القاهرة، كان يُفترض أن يكون مختبر فضائي متطور أول منشأة إفريقية لإنتاج الأقمار الصناعية محليًا, غير أن الصورة سرعان ما تتبدد عند دخول المصنع, إذ تصل المعدات والأجزاء في صناديق قادمة من بكين، ويشرف علماء صينيون على شاشات المراقبة الفضائية، موجهين التعليمات إلى المهندسين المصريين، فيما تتدلى على الجدران راية الصين, أما القمر الصناعي الأول الذي تم تجميعه هناك، والمُعلن عنه باعتباره إنجازًا إفريقيًا غير مسبوق، فقد صُنع في معظمه في الصين قبل إطلاقه من قاعدة فضائية صينية في ديسمبر 2023.
هذا المختبر ليس سوى جزء من برنامج فضائي صيني واسع النطاق وغير معلن، تسعى بكين من خلاله إلى بناء شبكة فضائية عالمية تعزز قدراتها في المراقبة العسكرية والمدنية، وفقًا لتحقيق أجرته “رويترز“.
ورغم أن الصين أعلنت بشكل رسمي عن دعمها الفضائي للدول الإفريقية، بما في ذلك التبرعات بالأقمار الصناعية والتلسكوبات ومحطات المراقبة الأرضية، إلا أن ما لم يُكشف عنه حتى الآن هو أن بكين تحتفظ بحق الوصول إلى البيانات والصور التي تجمعها هذه التقنيات، كما أن الخبراء الصينيين يواصلون العمل في المنشآت التي شيدوها داخل القارة.
مدينة الفضاء المصرية: بوابة الصين إلى القارة السمراء
يُعد مصنع الأقمار الصناعية في مصر جزءًا من مشاريع الفضاء التي قدمتها الصين للقاهرة خلال العامين الماضيين، والتي تشمل مركزًا جديدًا لرصد الفضاء مزودًا باثنين من أقوى التلسكوبات في العالم، إضافة إلى إطلاق قمرين للاستشعار عن بعد في عام 2023، أحدهما جُمع في مصر، بينما تم تصنيع الآخر بالكامل في الصين, كما أطلقت الصين في العام ذاته قمرًا صناعيًا ثالثًا لصالح مصر، يُعتقد أنه يتمتع بقدرات مراقبة عسكرية متقدمة، وفقًا لمصادر مطلعة.
وتقع منشأة تصنيع الأقمار الصناعية في قلب “مدينة الفضاء”، وهو مجمع فضائي يتم إنشاؤه شرق القاهرة، بالقرب من العاصمة الإدارية الجديدة، ضمن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي لتعزيز التعاون مع الصين، الذي شهد توسعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة عبر مشاريع بنية تحتية وطاقة ضمن مبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
الفضاء.. ساحة جديدة للتنافس الجيوسياسي
لا تقتصر استراتيجية بكين على مصر، إذ أقامت الصين شراكات فضائية مع 23 دولة إفريقية، تضمنت تمويل أقمار صناعية وإنشاء محطات أرضية لجمع البيانات، وفي خطوة تُعيد تشكيل موازين القوى في الفضاء، وافقت مصر وجنوب إفريقيا والسنغال على التعاون مع الصين في بناء قاعدة قمرية مستقبلية، وهو مشروع منافس للخطط الأمريكية لاستكشاف القمر.
ويبدو أن هذا ليس سوى البداية، إذ أعلن الرئيس الصيني، خلال اجتماع مع قادة أفارقة في بكين سبتمبر الماضي، أن بلاده ستخصص 50 مليار دولار لدعم مشاريع الفضاء والاستكشاف العميق في إفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، مؤكدًا أن الهدف هو تمكين الدول النامية من الاستفادة من التقنيات الفضائية.
لكن وفقًا لمصادر مطلعة، فإن الصين تجني مكاسب استراتيجية أكبر بكثير من استثماراتها، حيث تحصل على بيانات مراقبة حساسة وتضمن وجودًا طويل الأمد لخبرائها في المنشآت التي تبنيها داخل القارة، ما يعزز قدرتها على رصد الأنشطة العسكرية للدول الأخرى.
الصين والولايات المتحدة: سباق نفوذ في المدار
فيما توسع بكين نفوذها الفضائي، تتراجع الولايات المتحدة عن دعمها التقليدي للدول النامية، إذ شهدت وكالة التنمية الأمريكية تقليصًا في التمويل ضمن سياسات الرئيس دونالد ترامب، بينما تتجه واشنطن لتعزيز قدراتها العسكرية في الفضاء، خاصة عبر شراكات مع شركات خاصة مثل “سبيس إكس”.
ويرى خبراء عسكريون أن الأنشطة الصينية في إفريقيا تشكل تهديدًا أمنيًا، حيث تتيح لبكين الوصول إلى بيانات حساسة قد تستخدم لتعزيز قدراتها العسكرية, ومع ذلك، لم تتمكن “رويترز” من التحقق بشكل مستقل من هذه الادعاءات، ولم يقدم البنتاغون أو مصادر استخباراتية أمريكية أدلة ملموسة على استغلال الصين لهذه المنشآت لأغراض تجسسية.
أجندة الصين في إفريقيا..تعاون أم نفوذ استراتيجي؟
في ظل تنامي الاهتمام الدولي بالفضاء، باتت العديد من الدول الإفريقية تبحث عن شراكات تعزز قدراتها التقنية. وبينما اكتفت واشنطن بتقديم دعم محدود، نجحت بكين في فرض نفسها كشريك رئيسي، مستفيدة من نهج دبلوماسي منسق يجمع بين الاستثمارات الضخمة والتعاون التكنولوجي.
وبينما تنقسم الدول حول الاصطفاف مع الصين أو الولايات المتحدة، يظل الفضاء ميدانًا جديدًا للتنافس على النفوذ، حيث تتجه أنظار العالم إلى القمر والمريخ، بينما تحرص بكين على ضمان مكانتها كمركز قوة رئيسي في هذا السباق.