امتلأت الغرف بكبيرات السن من السكان، وكانت أيديهن متجعدة، وهن يتنقلن ببطء عبر الممرات، فيما كان بعضهن يستخدمن الأدوات المساعدة على المشي، وتساعدهن عاملات أخريات على الاغتسال، وتناول الطعام، والمشي، وتناول الأدوية العلاجية.
لكن هذه ليست «داراً للمسنين»، وإنما أكبر سجن للنساء في اليابان، ويعكس وجود هذا العدد من النساء هنا توجه المجتمع الياباني نحو الشيخوخة، وانتشار مشكلة الوحدة إلى حد كبير، حيث إن القيمين على المكان والحراس يقولون إنها وصلت إلى مستوى حاد لبعض السجينات من كبيرات السن، لدرجة أنهن يفضلن البقاء في السجون.
رعاية طبية مجانية
تقول العاملة في سجن «توتشيغي» للنساء، تاكايوشي شيراناغا، وهو سجن يقع شمال العاصمة اليابانية طوكيو، خلال زيارة نادرة للغاية قامت بها شبكة «سي إن إن» في سبتمبر 2024: «يوجد أشخاص يقولون إنهم يدفعون بين 20 و30 ألف ين (بين 130 و190 دولاراً شهرياً)، إذا كانوا يستطيعون ذلك، للعيش هنا إلى الأبد».
والتقت شبكة «سي إن إن» داخل جدران السجن ذي اللون الوردي الفاتح، وقاعاته الهادئة بشكل غريب، العجوز أكيو، وهي سجينة تبلغ من العمر 81 عاماً، ذات شعر رمادي قصير ويدين تظهر عليهما بقع الشيخوخة، حيث كانت تقضي عقوبة السجن بتهمة سرقة الطعام من المتاجر، قالت أكيو، وهو ليس اسمها الحقيقي حفاظاً على الخصوصية: «يوجد أشخاص رائعون في هذا السجن».
تعيش النسوة في سجن «توتشيغي» وراء القضبان، ويتعين عليهن العمل في مصانع السجن، لكن ذلك ملائم تماماً بالنسبة لبعضهن، إذ يحصلن داخل السجن على وجبات منتظمة، ورعاية طبية مجانية، ورعاية للشيخوخة، إضافة إلى صحبة يفتقدنها في الخارج.
بدورها، دخلت السجينة «يوكو» (51 عاماً) إلى السجن بتهم حيازة المخدرات خمس مرات خلال 25 عاماً، وهي تعود كل مرة إليه وتقول: «يبدو أن سكان السجن يشيخون».
وتدرك العجوز «أكيو» عبء العزلة والفقر جيداً، وهذه هي المرة الثانية التي تدخل فيها السجن، بعد أن سُجنت سابقاً في الستينات من عمرها لسرقة الطعام، وقالت: «لو كنت مستقرة مالياً، ولدي أسلوب حياة مريح، لما فعلت ذلك بالتأكيد».
وعندما ارتكبت سرقتها الثانية، كانت «أكيو» تعيش على راتب تقاعدي «صغير جداً» لم يكن يُدفع إلا كل شهرين.
جريمة السرقة
كانت السرقة الجريمة الأكثر شيوعاً التي يرتكبها السجناء المسنون، خصوصاً بين النساء، ففي عام 2022 كان أكثر من 80% من السجينات المسنّات في جميع أنحاء البلاد في السجن بتهمة السرقة، وفقاً لأرقام حكومية.
كما كان بعضهن يفعلنها من أجل البقاء، في وقت يعيش 20% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً باليابان في فقر، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقارنة بمتوسط 14.2% في جميع الدول الأعضاء في المنظمة، البالغ عددها 38 دولة.
ويفعل آخرون ذلك لأنه لم يتبقّ لهم سوى القليل في الخارج، وتقول العاملة في سجن النساء شيراناغا: «ثمة أشخاص يأتون إلى السجن لأنهم يشعرون بالبرد، أو أنهم يشعرون بالجوع».
اعتراف حكومي
لم تتمكن شبكة «سي إن إن» إلا من المرور عبر بوابة واحدة من سجن «توتشيغي»، حيث يوجد 20% من السجينات من كبار المقيمات في السجن، كما أن السجن قد كيَّف خدماته لتكون ملائمة لأعمارهن.
وتضاعف تعداد السجينات، البالغة أعمارهن 65 عاماً وما فوق، بنسبة أربعة أضعاف في الفترة ما بين 2003 و2022، ما أدى إلى تغير طبيعة السجن.
وقالت شيراناغا «الآن بات علينا تغيير الحفاضات، ومساعدتهن على الحمام، وتناول الطعام، وحتى هذه اللحظة يبدو الأمر كالعمل في دار للمسنين أكثر منه عملاً في سجن يعج بكثير من المجرمين المدانين».
من جهتها، اعترفت السلطات بالمشكلة، إذ قالت وزارة الرعاية الاجتماعية في عام 2021 إن السجناء كبار السن الذين يتلقون الدعم بعد مغادرتهم السجن كانوا أقل عرضة لارتكاب الجرائم مرة أخرى من أولئك الذين لم يتلقوا الدعم، وأضافت أن الوزارة كثفت منذ ذلك الحين جهودها للتدخل المبكر، فضلاً عن مراكز دعم المجتمع، لدعم كبار السن المعرّضين للخطر بشكل أفضل. عن «سي إن إن»
. أكثر من 80% من السجينات المسنّات دخلن السجن بتهمة السرقة في 2022.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news